الأحد، 15 فبراير 2015

لماذا ينجح البعض ويفشل أخرون في كندا ؟ الجلقة الثانية


سوف يقوم موقع كندا بالعربي في الأيام المقبلة بنشر سلسلة مقالات نشرها الصحفي مفيد فوزي ضمن كتابه :كندا حلم المهاجرين , وهو يتناول فيها بواقعية شديدة احوال المهاجرين العرب في كندا وينظر في العوامل التي تقودهم الي النجاح أو تجرهم الي الفشل. فيما يلي الحلقة الثانية من المقالات:

  لندخل في الموضوع مباشرة ان رأسمال أي مهاجر قادم الي كندا هو اللغة, قد تتفاوت القدرات والكفايات ولكن اجادة احدي او كلا اللغتين, الانجليزية او الفرنسية, تصبح بمثابة "جسر للنجاح", أو علي أقل تقدير وسيلة تفاهم مريحة مع مجتمع جدد يتحدث بلغة لم يتدرب المهاجرعليها من قبل, والمهاجر الذي يتغاضي عن أهمية اللغة يحكم علي نفسه في الواقع بالاخفاق, وحتي اذا استطاع الحصول علي وظيفة فان الأكفأ منه يهدده دائما.

   يروي لي ن.ع. مهاجر حديث منذ 3 سنوات: لم أكن أجيد اللغة الفرنسية, كنت أعرف منها بضعة كلمات, استطعت أن أسافر بعد توصيات. كان الشهر الأول بالنسية لي اقسي عذاب عشته. فان التفاهم بيني وبين المجتمع الكندي كان مقطوع كلية, كان يساء فهمي, وكنت أتحدث بالاشارة وألوك بعض الكلمات. وحين ذهبت الي مدرسة لتعلم اللغة علي نفقة الحكومة الكندية, كنت أهرب وازوغ لكراهتي الشخصية للدروس والواجبات. وها أنا ذا بعد 3 سنوات اتعثر بشدة, ولا أمكث في أي عمل أكثر من شهرين, هناك دائما من هو أكفأ مني ويجيد اللغة.


  ويحكي لي صابر وهو مهاجر منذ 5 سنوات ويعيش في تورنتو: تعلمت اللهجة الامريكية في الحديث مع الكنديين من مجرد الالتقاط...أستطيع أن اقلد اللهجات بسرعة. ولكني لا أستطيع أن اكتب رسالة بالانجليزية ولا أستطيع أن أملأ استمارة مطلوبة مني.


هؤلاء وغيرهم كثيرون تناسو أو نسو أن رأسمال المهاجر هو اللغة فجاؤو بلارصيد في اللغات, فتوجت تجربتهم بالاخفاق.

   رابعا

   ان جواز مرور المهاجر الي المجتمع الكندي هو أن يكون حاصلا علي "الخبرة الكندية" فكندا تستقبل المهاجرين من كل أنحاء العالم وتضعهم جميعا في نقطة الصفر! فمهما كنت فان كندا لا تعترف الا بالخبرة الكندية!! ولا بد من ايضاح أكثر....

   ان المهاجر الحديث لا يستطيع أن يبحث عن عمل بين يوم وليلة فيجده, انه يذهب الي مراكز المهاجرين فيتلقي دورات في كيفية البحث عن عمل , فحتي ايجاد وظيفة في كندا هو فن يحتاج الي تدريب ومعرفة بالسلوك الاحترافي في كتابة السيرة الذاتية واجتياز المقابلات الشخصية. والمهاجر الذي يتصور أن لن يعمل الا ما "يناسبه" هو مهاجر عنيد يخفق مادام يصطدم منذ اللحظة الأولي مع التقاليد الكندية.....


   يحكي لي مهندس حاصل علي دكتوراه في الصوت, أنه بدأ الحياة في كندا يغسل صحون مطعم ما, وكان لابد قبل أن يلتحق بهذا العمل الصغير أن يحصل علي الخبرة الكندية في غسيل الأطباق حيث أن غسيل الاطباق في القارة الأمريكية يتم بطريقة ألية وازرار. وكان المهندس يتعلم, في دراسة مسائية, طريقة غسيل الأطباق حتي أجادها, والتحق بمطعم, وكان الدكتور " المرمطون" يبحث في أوقات فراغه عن عمل يتلاءم مع دراسته. وبعد ثلاثة سنوات, عثر علي عمل مهندس صوت في مسرح للأطفال فقبله علي الفور.


   ان أية مهنة لها دراسة علي الطريقة الكندية: سائق تاكسي ترزي, حلاق, مدرس, طبيب, مصمم أزياء..أي شئ. لابد للمهاجر أن يحصل علي مايثبت أن لديه خبرة كندية في هذا الشأن.


  قابلت مئات المهاجرين بعضهم تعالي علي الأعمال البسيطة أو تسامي عليها, ومازال حتي كتابة هذه السطور يستدين من كل أصدقائه ليعيش حتي ملوه وهربو منه. صحيح أن الدولة الكندية تعطي اعانة للمهاجر حتي يعمل , ولكنها تمنع الاعانة اذا تكاسل أو تعالي عن العمل.
ان الحكومة الكندية لا تعرف الرحمة, انها تسخر أي طاقة للعمل بشروطها أيضا.

  خامسا

   لأن كندا بلاد شابة, تحاول أن تنتصر بالعلم علي الطبيعة, وتريد لنفسها اقتصادا كنديا خالصا, وصناعة كندية مائة في المائة, فان احتياجها الأول هو في الواقع للأيدي العاملة الماهرة. ولهذا كان طبيعيا أن تكون أكبر نسبة بطالة في كندا بين أصحاب الشهادات العالية!!
  لقد دهشت عندما قابلت شبانا مصريين متعلمين تعليما جامعيا عاليا يترواح بين الليسانس والدكتوراه وهو في حالة بطالة! كيف هذا؟
يقو لي واحد منهم وهو الدكتور شريف عزيز متي: كلما ذهبت للبحث عن عمل قيل لي بكل وضوح: انك تحمل مؤهلات, ولا أريد أن أستغلك! وأعود الي العمل البسيط الذي أمارسه وهو كي الملابس بألة تكوي 800 قطعة في الساعة.
وسألته ماموضوع رسالتك في الدكتوراه؟ فأجاب طاقة النواة
قلت بذهول: لماذا لم تستفد منك المعامل الكندية؟
قال بسرعة: انها مملوكة لرأس المال الأمريكي وهؤلاء يحجبونها عن الكنديين فمابالك بالغرباء المهاجرين؟
وسألت الدكتور شريف عزيز : ومامستقبلك؟
قال برنة حزن: دخلت الجامعة لأدرس ثلاثة سنوات أحصل فيها علي خبرة كندية في صناعة النسيج. لأن مصانع النسيج الكندية تعلن عن حاجتها خلال السنوات الخمس القادمة الي متخصصين في صناعة النسيج.


   وقابلت مكرم عبد الملك, كان مهندسا في البلدية, وهاهو ذا منذ عام لم يعترفو به كمهندس. عرض عليه أن يعمل موظفا في مصنع حلوي. فرفض وأصر علي دراسة الهندسة ثلاثة سنوات ليحصل علي الخبرة الكندية في الهندسة. ويعمل مكرم الأن في مونتريال كمساعد رسام! انه قانع بهذا العمل الضئيل حتي يسد حاجة أسرته المكونة من زوجة وابنتين. وزوجته تهاني تتعلم اللغة. وتعمل عملا بسيطا حتي تشاركه الكفاح. ولو تهاون مكرم في الدراسة الجادة أو تصور أن علي المجتمع الكندي أن يعترف به كمهندس برغم أنفه فكأنه ينطح الحجر!

أمثلة كثيرة. أصحابها مهندسون وأطباء ومحامون جاؤو الي كندا يدقون بابها, يبحثون عن فرص عمل فيخفقون, يعودون تلاميذا مرة أخري وباصرار يفوق الحدود, يستذكرون ليصنعو نجاجا في الغربة!






اذا أعجبك هذا المحتوي فاشترك ليصلك منا كل جديد

هناك تعليقان (2):